Translate

الاثنين، 15 يناير 2018

الرائد عبدالمطلب بن يحيى بن حسن بن محسن المحبشي

مثقف، ناشط اجتماعي، ثائر، مجاهد، قائد حركي وميداني، مدرب وقائد عسكري

شاب عصامي، يافع، فارع الطول، نحيف الجسد، بشوش الوجه، حسن الطالع، لين الجانب، سهل التعامل، سريع البديهة، بعيد النظر، واسع الافق، قوي الإرادة، ماضي العزم، يشع حيوية ونشاطا وشجاعة وثباتا وإقداما وعزة وإباءا وتضحية وشهامة وإيثارا.

 غادرنا ولم يتجاوز الثلاثين عاما، بعد حياة حافلة بالجهاد في سبيل الله ونصرة المظلومين ومقارعة الباطل والاصلاح بين الناس وفعل الخير، تاركا خلفه حزنا عميقا تلونت به كل جبهات العزة والكرامة، التي دونت في سجلاتها، مشاهدا من بطولاته، ستظل حكاياتها توقظ في ضمير الأمة عبرة تشير الى الطريق الصحيح الذي سلكه، وعبرة تسقي في نفوسنا جديب البقاء، لنتذكر دوما أننا بقينا في وطن حر، عزيز، مصان، لأن ترابه أنجب رجالا كعبدالحي.

 اشتهر في أوساط حركة أنصار الله بعبدالحي المحبشي، وكنيته أبو حمزة، مولده بقرية جبل المحبشي من مديرية المحابشة في محافظة حجة في يوم الجمعة 3 يوليو 1987.

ينحدر من أسرة بسيطة تمارس زراعة القات والبن، عاش حياة قاسية، وواجه الكثير من الصعوبات والعوائق، وكان كثير التسائل عن أسباب تلك الصعوبات والحكمة منها.

درس في المحابشة الى الصف الأول الثانوي، حاول بعدها الالتحاق بالمعهد المهني، لكنه لم يستطع المواصلة بسبب الظروف المعيشية.

 كان مولعا بالمطالعة العامة وقد أتاح له وجود مكتبة متنوعة بمنزل العائلة الفرصة لإشباع نهمه، وتوسيع مداركه ومعارفه وثقافته العامة، وخصوصا في الأدب والشعر وله العديد من المحاولات والكتابات الأدبية الواعدة.

في العام 2005 شد انتباهه، الحرب الظالمة على صعدة، أسبابها وحيثياتها وتداعياتها، وسبب صمت الناس حيالها، والتضييق الذي تعرض له علماء الزيدية وطلبة العلم في المحابشة، من الاجهزة الامنية حينها، بسبب تلك الحرب الجائرة.

 تساؤلات كثيرة دارة بعقله، تاركة مع مرور الأيام ندوبا وجروحا غائرة في قلبه الصغير، الذي لم يتحمل الصمت على مظلومية اخواننا بصعدة، ليقرر في العام 2009 الالتحاق بحركة أنصار الله.

 اكتسب خلال الفترة (2017 - 2009) علوم ومعارف جديدة وانخرط في دورات دينية وفكرية وصحية مكثفة، الى جانب دورات في فن الادارة والقيادة والعلوم العسكرية والاستخباراتية.

 في العامين (2016 - 2015) ركز على دراسة تضاريس وتاريخ ومكونات وعادات وتقاليد القبائل اليمنية، لأهمية ذلك في تسهيل تعامل وتواصل مقاتلي أنصار الله مع ابناء القبائل التي يتواجدون فيها وتسهيل عملهم الجهادي في المناطق المشتعلة.

أسندت حركة أنصار الله للشهيد المحبشي العديد من المهام خلال الفترة ( 2017 - 2011 ) تنوعت بين التحشيد الجماهيري الى ساحات التغيير، والتعبئة العامة الى جبهات القتال، بعد عدوان التحالف العربي بقيادة السعودية على اليمن في 26 مارس 2015 وتطبيب واسعاف الجرحى والمصابين، وحفظ الأمن والاستقرار في العديد من مناطق ومحافظات اليمن، والمشاركة في لجان الوساطة الخاصة بتهدئة الصراعات القبلية في بعض مديريات محافظة حجة، والانخراط في مختلف جبهات القتال الداخلية والحدودية، وتنفيذ مهمات عسكرية متنوعة، وكان أخر عمل له قبل رحيله في إطار القوات الخاصة التابعة لمكتب قائد حركة أنصار الله، كمدرب ومؤهل عسكري للأفراد والمدربين.

تميز الشهيد في كل المهام التي اسندت اليه بشهادة رفاقه بقوة الايمان بعدالة القضية التي يناضل من أجلها، وروح المبادرة، والتفاني والإخلاص في عمله، والايثار لزملائه، لدرجة توزيع ملابسه وما يتقاضاه من مرتب بسيط على المحتاجين منهم، والتصدق على الفقراء والمحتاجين في المناطق التي يتواجد فيها، وخلق علاقات طيبة مع سكان تلك المناطق، لمسنا دفئها في تواصل العديد منهم مع عائلة الشهيد بعد رحيله، وحزنهم العميق عليه.

أصيب اصابات بالغة في عدة جبهات، جعلته في اخرها، طريح الفراش لأكثر من شهر ونصف، وفي كل مرة كان يخفي على أهله اصابته، مكتفيا بالتواصل معهم، وزيارتهم بعد تماثله للشفاء، وتطمينهم بعدم وجود أي خطر على صحته أو حياته، طالبا منهم الدعاء بالموفقية لنيل شرف وكرامة الشهادة.

في شهر أبريل 2017 زاد ضغط العدوان على مديرية ميدي، وكان الشهيد حينها قد شارف على الانتهاء من تدريب وتأهيل دفعة جديدة من المدربين، ولأن الأدبيات العسكرية تقتضي اجراء الجانب العملي من التدريبات في الجبهة مباشرة، فقد قرر الشهيد الانتقال مع مجموعته الى جبهة ميدي،  رغم إلحاح المشرفين عليه، البقاء في التدريب، بسبب حاجة الجبهات المتزايدة للمجاهدين، لكنه أصر على الذهاب الى الجبهة، مترنما بمقولته الشهيرة وبمعنويات عالية: "ما لها إلا العزم" من أجل وقف عربدات وزحوفات العدوان، والتي زادت وتيرتها مع قرب زيارة الرئيس الإميركي ترامب للسعودية في 20 أبريل 2017 على أمل تحقيق أي إختراق ميداني، يشفع لبني سعود لدى سيدهم الزائر.

مثلت التبة الحمراء بميدي، نقطة استنزاف للجيش اليمني واللجان الشعبية، منذ بداية العدوان على هذه المديرية الحدودية المنكوبة، وفيها ارتقى معظم شهداء الجيش واللجان، إما بالغارات الجوية الهستيرية والتي لا تكاد تفارق سمائها، أو قنصا من على السفن الحربية الراسية في عرض البحر ومن صحراء ميدي.

تقع التبة الحمراء في المنطقة الفاصلة بين ميناء وساحل ميدي جنوبا، وهي عبارة عن مرتفع وحيد، تقع على قمته قلعة الامام، وسط صحراء مكشوفة ومفتوحة، ما جعل العدوان يركز عليها بشكل كبير.

بعد وصول عبدالحي الى المنطقة تدارس مع رفاقه أمر هذه التبة اللعينة، وضرورة استعادتها من مرتزقة العدوان، وفي ليلة الثلاثاء 28 رجب 1438 هـ، الموافق 25 أبريل 2017 قرر عبدالحي ورفاقه بدء الهجوم، ورغم انه لم يكن أمام المجاهدين سوى مدخل واحد للوصول الى التبة، مقابل تحكم المرتزقة في مدخلين التفافية، إلا أنهم تمكنوا بتوفيق الله من الوصول الى التبة والسيطرة عليها، بعد ليلة طويلة من المواجهات الضارية والتنكيل والفتك بقوى العدوان.

مع شعشعت ضوء صبيحة الثلاثاء تمكن المرتزقة من استجماع قواهم المنهكة، بالتوازي مع وصول تعزيزات كبيرة من معسكراتهم بقرى الموسم المحاذية في قطاع جيزان، بينها فرق خاصة من القناصة، وسط تحليق مكثف للطيران، حينها اكتشفوا مكان عبدالحي وجماعته، فأحاطوهم من كل الجهات، وقنصوهم واحدا تلوى الأخر، ولم يتبقى منهم سوى عبدالحي، حيث ثبت وحيدا وقاوم مقاومة القادة الابطال، وسط جيش جرار من المرتزقة، وظل يقاوم ويقاتل وجها لوجه، بشجاعة قل نظيرها حتى أخر رصاصة، لم يتراجع ولم يتعب ولم تخور قواه، بل كان واقفا على قدميه، مرفوع  الهامة، الى أن تمكن المرتزقة من إصابته بطلق ناري في رقبته وأخر استقر في جبهته، حينها أشاح ببصره نحو السماء مترنما "ربح البيع عبدالحي"، ومعها صعدت روح قائد فذ لم تنحني جبهته يوما لغير الله.

بقي جسده الطاهر في ساحة المعركة، الى ان تمكن الجيش اليمني واللجان الشعبية بعد 17 يوما من استعادة التبة واخراج الجثمان الطاهر، ليتم مواراته الثرى بمسقط رأسه، صبيحة الخميس 15 شعبان 1438 هـ، الموافق 11 مايو 2017.

هكذا هم رجال الله يكبرون في زمن الصغار، ويخلدون في أمكنة يتآكلها النسيان، ولا يغيبون عنا أبدا، فهم شموع تنير ظلام القلوب، وأسماؤهم؛ محاريب دعاء نتقرب بها إلى الله، وقرابين تسخو - في زمن القحط البشري - في سبيل شجرة الحق والعشق التي لا ترتوي إلا بدماء الأبرار والأحرار، فيرثون الأرض والفردوس معا.

أولاده: حمزة

ليست هناك تعليقات: